الجمعة، 22 مارس 2019

أديان العرب: أنبياء جاهليون؛ جواد علي. (عن "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام". فصل 63)


أنبياء جاهليون

جواد علي؛ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام. فصل 63



الفصل الثالث والستون: أنبياء جاهليون (صفحة 83)

ويظهر من أخبار أهل الأخبار أن الجاهليين لم يعدموا من الأنبياء، فقد ذكروا لهم أنبياء قالوا إنهم بشروا بالله وبدينه بين العرب الأولى، ومنهم "هود" نبي "عاد"، و"صالح" نبي قوم ثمود. وقد أشير إليهما في القرآن الكريم1. وزعموا أن رجلًا من بني "قطيعة بن عبس" كان نبيًّا كذلك، ولم يكن في بني إسماعيل نبي قبله. وهو الذي أطفأ الله به "نار الحرتين" وكانت ببلاد عبس. فإذا كان الليل فهي نار تسطع في السماء، وكانت طيء تنفش بها إبلها، وربما ندرت منها "العنق" أي قطعة فتأتي على كل شيء فتحرقه. وإذا كان النهار فإنما هي دخان يغور. فاحتفر "خالد" لها بئرًا، ثم أدخلها فيها، والناس ينظرون، ثم اقتحم فيها حتى غيبها. وذكروا أنه نجح في إخمادها، وكان الناس يقولون: هلك الرجل، فكذبهم، وخرج سالمًا. فلما حضرته الوفاة قال لقومه: إذ أنا مت ثم دفنتموني، فاحضروني بعد ثلاث، فإنكم ترون عيرًا أبتر يطوف بقبري، فإذا رأيتم ذلك فانبشوني، فإني أخبركم بما هو كائن إلى يوم القيامة. فاجتمعوا لذلك في اليوم الثالث، فلما رأوا العير وذهبوا ينبشونه، اختلفوا، فصاروا فرقتين، وابنه عبد الله في الفرقة التي أبت أن تنبشه، وهو يقول: "لا أفعل! إني إذًا ادعى ابن المنبوش! فتركوه.

1 سورة هود، الآية 53، 60، 89، الشعراء، الآية 124، صالح، سورة الأعراف الآية 77، هود، الآية 62، 89، الشعراء، الآية 142.
قال "الحاحظ" "والمتكلمون لا يؤمنون بهذا، ويزعمون أن خالدًا هذا كان أعرابيًّا وبريًّا، من أهل "شرج" و"ناظرة". ولم يبعث الله نبيًّا من الأعراب ولا من الفدادين أهل الوبر، وهم أهل البادية. إنما يبعثهم من أهل القرى، وسكان المدن1.
ويظهر أنه عاش قبيل الإسلام، فقد ذكر أهل الأخبار أن ابنة له قدمت على النبي، فبسط لها رداءه وقال: هذه ابنة نبي ضيعه قومه، وذكروا أنها لما سمعت سورة: "قل هو الله أحد"، قالت: قد كان أبي يتلو هذه السورة2 وزعموا أنه هو الذي دعا على العنقاء، فذهبت وانقطع نسلها3.
ثم نبي آخر اسمه "حنظلة بن صفوان"، كان نبيًّا بعثه الله إلى "أهل الرس"، فكذبوه وقتلوه، عاش في أيام "بختنصر" وقد نسب إلى حمير، وقيل إنه كان من أنبياء الفترة كذلك، وإنه هو الذي دعا على العنقاء، فانقطع نسلها4. وذكر بعض أهل الأخبار أن الله أرسل "حنظلة" إلى أهل عدن، فقتلوه5.
وذكر أهل الأخبار اسم نبي أرسل إلى أهل "حضور" اسمه "شعيب بن ذي مهدم" فقتلوه. فاستأصلهم "بخت نصر"، وقبره بـ"صنين" جبل باليمن6.
وذكر أهل الأخبار أن "مسيلمة بن حبيب الحنفي"، كان ممن ادعى النبوة بمكة قبل الهجرة، وصنع أسجاعًا7. وكان قد طاف قبل التنبي، في الأسواق التي كانت بين دور العجم والعرب، يلتقون فيها للتسوق والبياعات، كنحو سوق الأبلة، وسوق لقه، وسوق الأنبار، وسوق الحيرة وكان يلتمس تعلم الحيل والنيرجات، واختيارات النجوم والمتنبئين. وقد كان أحكم حيل السدنة.

1 الحيوان "4/ 476 وما بعدها".
2
الحيوان "4/ 477".
3 "
ذاك نبي أضاعه قومه" بلوغ الأرب "2/ 278 وما بعدها"
4
اللسان "12/ 149" "عنق" تاج العروس "1/ 410" "عنق"
5
الروض الأنف "1/ 9.
6
الروض الأنف "1/ 9".
7
الحيوان "4/ 89" "مسيلمة بن عثامة بن كبير بن حبيب بن الحرث، من بني حنيفة"، إرشاد الساري "6/ 434".
والحُواء وأصحاب الزجر والخط، ومذهب الكاهن والعياف والساحر، وصاحب الجن الذي يزعم أن معه تابعه1.
وقد أحكم من ذلك أمورًا. فمن ذلك، أنه صب على بيضة من خل قاطع، حتى لان قشرها، فأدخلها في قارورة ضيقة الرأس وتركها حتى جفت ويبست، وعادت إلى هيئتها الأولى، فأخرجها إلى "مجاعة بن مرارة بن سلمى الحنفي" اليمامي، وأهل بيته، وهم أعراب، وادعى بها أعجوبة وأنها جعلت له آية، فآمن به من في ذلك المجلس: مجاعة وغيره. ومن ذلك أنه كان قد حمل معه ريشًا في لون ريش أزواج حمام، وقد كان يراهن في منزل مجاعة مقاصيص. فالتفت، بعد أن أراهم الآية في البيض، إلى الحمام فقال لمجاعة: إلى كم تعذب خلق الله بالقص؟! ولو أراد الله للطير خلاف الطيران لما خلق لها أجنحة، وقد حرمت عليكم قص أجنحة الحمام! فقال له مجاعة كالمتعنت: فسل الذي أعطاك في البيض هذه الآية أن ينبت لك جناح هذا الطير الذكر ساعة؟
قال مسيلمة: فإن أنا سألت الله ذلك، فانتبه له حتى يطير وأنتم ترونه، أتعلمون أني رسول الله إليكم؟ قالوا: نعم. قال: فإني أريد أن أناجي ربي، وللمناجاة خلوة، فانهضوا عني، وإن شئتم فادخلوني هذا البيت وادخلوه معى، حتى أخرجه إليكم الساعة وافي الجناحين يطير. وأنتم ترونه ولم يكن القوم سمعوا بتغريز الحمام، وكانوا بسطاء لا يعرفون حيل المحتالين، فلما خلا بالطائر أخرج الريش الذي قد هيأه فأدخل طرف كل ريشة مما كان معه في جوف ريش الحمام المقصوص، من عند المقطع والقص. فلما غرز ريشه أخرجه، وأرسله أمامهم من يده فطار، واعتبروا عمله آية.
ثم إنه قال لهم: إن الملك ينزل إلي، والملائكة تطير وهي ذوات أجنحة، ولمجيء الملك زجل وخشخشة وقعقعة، فمن كان منكم ظاهرًا فليدخل منزله، فإن من تأمل اختطف بصره! ثم صنع راية من رايات الصبيان التي تعمل من الورق الصيني، ومن الكاغد، وتجعل لها الأذناب والأجنحة، وتعلق في صدورها الجلاجل، وترسل يوم الريح بالخيوط الطوال الصلاب. ثم أرسلها مع الريح، وهم لا يرون الخيوط، والليل لا يبين عن صورة الرق، وعن دقة الكاغد،

1 الحيوان "4/ 369 وما بعدها"، المعارف "405".
فتوهموا أن ذلك الملائكة: وتصارخوا، وصاح: من صرف بصره ودخل بيته فهو آمن! فأصبح القوم وقد أطبقوا على نصرته والدفع عنه: فهو قوله:
ببيضة قارور وراية شادن ... وتوصيل مقصوص من الطير جادف1
ونسب بعض أهل الأخبار "مسيلمة" على هذا النحو: "مسيلمة بن ثُمامة بن كبير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن هفان بن ذهل بن الدول بن حنيفة"2 و"مسيلمة الكذاب بن حبيب" ثمامة بن كبير، وجعله بعضهم "مسيلمة بن حبيب" وجعلوا كنيته "أبا ثمامة" وقيل "أبا هارون" و"أبو ثمالة"3 وذكروا أنه كان يسمى بـ"الرحمن" قبل مولد "عبد الله" والد رسول الله، "وكانت قريش حين سمعت: بسم الله الرحمن الرحيم، قال قائلهم: دق فوك، إنما تذكر مسيلمة رحمان اليمامة"4. وذكروا أنه دعا إلى الرحمن، أي إلى عبادة الرحمن. بينما عرف نفسه بـ"الرحمن"، فقيل له: "رحمان اليمامة"5. وأنه دعا إلى عبادته هذه قبل النبوة، وقد عرف أمره بمكة، فلما نزل الوحي على الرسول، قال أهل مكة إنما أخذ علمه من "رحمان" اليمامة6.
وقالوا له: "إنا قد بلغنا أنك إنما يعلمك رجل باليمامة يقال له الرحمن، ولن نؤمن به أبدًا" "فأنزل الله سبحانه: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي} . كان مسيلمة بن حبيب الحنفين ثم أحد بني الدول قد تسمى بالرحمن في الجاهلية، وكان من المعمرين. ذكر وثيمة بن موسى أن مسيلمة تسمى بالرحمن قبل أن يولد عبد الله أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم"7.
قال "الواحدي" في أسباب نزول الآية: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ

1 الحيوان "4/ 371 وما بعدها" المعارف "405".
2
الروض الأنف "2/ 340"، "وفد بني حنيفة"، امتاع الأسماع "1/ 506".
البلاذري، فتوح "97"، "اليمامة"
3
الاشتقاق "209" البلاذري: فتوح "100".
4
الروض الأنف "2/ 340"، اليعقوبي "1/ 120".
5 Shorter Ency, p. 416.
6 Shorter Ency, p. 416
7
الروض الأنف "1/ 200".
هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} 1: "قال أهل التفسير: نزلت في صلح الحديبية، حين أرادوا كتاب الصلح. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، "اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم". فقال سهيل بن عمرو والمشركون: ما نعرف الرحمن، إلا صاحب اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب. اكتب باسمك اللهم. وهكذا كانت الجاهلية يكتبون، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية"2
وذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} 3، "أن مسيلمة كان يدعى الرحمن. فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم، "اسجدوا للرحمن" قالوا: أنسجد لما يأمرنا رحمن اليمامة يعنون مسيلمة بالسجود له"4. أو أنهم قالوا: "ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة. يعنون مسيلمة الكذاب"5.
ولا يعقل قول من قال إن مسيلمة كان يعرف بـ"الرحمن" قبل ولادة "عبد الله" والد الرسول. أما أنه كان أسن من الرسول فلا غرابة في ذلك، ولكني لا أرى أنه كان أكبر من الرسول بعشرات السنين. ومن الجائز أن يكون قد دعا إلى عبادة "الرحمن"، وهي عبادة كانت شائعة معروفة إذ ذاك، في اليمامة وفي غير اليمامة، فعرف بين قومه بـ"رحمن اليمامة"، وذلك قبل نزول الوحي على الرسول، فسمع أهل مكة بدعوته.
وورد في رواية أن "أبا جهل" سمع "رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في الحجر ويقول: "يا الله يا رحمن". فقال: كان محمد ينهانا عن عبادة الآلهة، وهو يدعو إلهين. فنزلت هذه الآية،: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} 6.
وفي هذا الخبر إن صح، دلالة على أن أهل مكة كانوا قد سمعوا بعبادة "الرحمن" وأنهم سمعوا أن قومًا من الجاهليين دعوا إلى عبادته، وأن "أبا جهل" كان قد سمع قولهم، ولهذا أخذ على النبي قوله: يا الله يا رحمن. ولا يعقل ألا يكون لأهل مكة علم بعبادة "الرحمن" التي تحدثت عنها في موضع آخر، وقد كان

1 الرعد، الرقم 13، الآية 30.
2
أسباب النزول "205 وما بعدها" تفسير القرطبي "9/ 317 وما بعدها".
3
الفرقان، الآية 60.
4
تفسير الطبري "19/ 19" روح المعاني "19/ 36".
5
تفسير القرطبي "13/ 64".
6
تفسير القرطبي "9/ 318".
لهم اتصال باليمن وباليمامة وبمعظم أنحاء جزيرة العرب. وأرى أن "مسيلمة" كان قد دعا إلى عبادة الرحمن متاثرًا بدعوة المتعبدين له ممن كان قبله على ما يظهر، وهي عبادة إله اسمه "الرحمن" فعرف مسيلمة بـ"الرحمن" وبـ"رحمن اليمامة" وعبادة الرحمن ديانة متأثرة بفكرة التوحيد، وبوجود إله واحد هو "الرحمن" رب العالمين.
وقد أشير إلى موضع اسمه "وادي الرحمن" في الكتاب الذي أعطاه رسول الله لي "يزيد بن المحجل" الحارثي، ورد فيه: "إن لهم غرة ومساقيها ووادي الرحمن من بين غايتها"1. ولا أستبعد احتمال وجود صلة بين هذه التسمية وبين الرحمن الإله.
وقد وصف الرواة "مسيلمة" بأنه "كان قصيًرا شديد الصفرة أخنس الأنف أفطس"2.
ويظهر من غربلة ما ذكره أهل الأخبار عن "مسيلمة أنه كان أكبر عمرًا من الرسول. وأنه كان قد تكهن وتنبأ باليمامة ووجد له أتباعًا قبل نزول الوحي على النبي. وأن أهل مكة كانوا على علم برسالته. ويذكر أهل الأخبار أن "مسيلمة" كان ابن مائة وخمسين سنة حين قتل3. وهو عمر قد بولغ فيه ولا شك؛ إذ لا يعقل أن يكون في هذه السن يوم قتل فقد كان فعالًا نشيطًا، نشاطًا لا يمكن أن يظهر إلا من رجل قوي فعال، هو دون المائة.
وكان "مسيلمة" يدعي أن معه رئيًّا في أول زمانه، ولذلك قال الشاعر حين وصفه.
ببيضة قارور وراية شادن ... وخلة جني وتوصيل طائر4
وكان "مسيلمة" في جملة رجال "وفد حنيفة" الذي قصد الرسول، وفيهم "رحال بن عنفوة" لكنه -كما يقول الرواة- لم يذهب مع الوفد.

1 ابن سعد، طبقات "1/ 268" "ذكر بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرسل يكتبه إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام".
2
البلاذري، فتوح "100".
3
الروض الأنف "2/ 340" اليعقوبي "1/ 120".
4
الحيوان "6/ 205 وما بعدها".
إلى الرسول، بل بقي مع رحال الوفد يبصرها لهم. فلما قرروا العودة، بعد أن أسلموا وأعطاهم جوائزهم، قالوا: "يا رسول الله إنا خلفنا صاحبًا لنا في رحالنا يبصرها لنا، وفي ركابنا يحفظها علينا، فأمر له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمثل ما أمر به لأصحابه وقال: ليس بشركم مكانًا لحفظه ركابكم ورحالكم، فقيل ذلك لمسيلمة، فقال: عرف أن الأمر إلي من بعده فلما عادوا إلى ديارهم، ادعى مسيلمة النبوة، وشهد "رحال بن عنفوة" "الرحال بن عنفوة"، أن رسول الله، أشركه في الأمر، فتبعه الناس1. وكان "الرحال" قد تعلم سورًا من القرآن، فنسب إلى "مسيلمة" بعض ما تعلم من القرآن، فكان من أقوى أسباب الفتنة على "بني حنيفة" قتله "زيد بن الخطاب"، يوم اليمامة2.
وذكر "الطبري"، أن "مسيلمة" كان يصانع كل أحد ويتألفه ولا يبالي أن يطلع الناس منه على قبيح، "وكان معه نهار الرجال بن عنفوة" وكان قد هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ القرآن، وفقه في الدين، فبعثه معلمًا لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة، وليشدد من أمر المسلمين، فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة، شهد له أنه سمع محمدًا، صلى الله عليه وسلم، يقول: إنه قد أشرك معه، فصدقوه واستجابوا له، وأمروه بمكاتبة النبي صلى الله عليه وسلم، ووعدوه إن هو لم يقبل أن يعينوه عليه، فكان نهار الرجال بن عنفوة لا يقول شيئًا إلا تابعه عليه، وكان ينتهي إلى أمره3. وكان الذي يؤذن له: عبد الله بن النواحة، وكان الذي يُقيم له "حجير بن عمير"، ويشهد له، وكان مسيلمة إذا دنا حجير من الشهادة، قال: صرح حجير، فيزيد في صوته، ويبالغ لتصديق نفسه، وتصديق نهار وتضليل من كان قد أسلم، فعظم وقاره في أنفسهم4 فجعل "الطبري" اسم مساعد" "مسيلمة" "نهار الرجال بن عنفوة" لا "الرحال بن عنفوة" "رحال بن عنفوة".

1 ابن سعد، طبقات "1/ 316 وما بعدها" "وفد حنيفة" الطبري "3/ 137 وما بعدها" "قدوم وفد بني حنيفة ومعهم مسيلمة".
2
الروض الأنف "2/ 340".
3
الطبري "3/ 282 وما بعدها".
4
الطبري "3/ 283".
كما في الموارد الأخرى. لكنه عاد فدعاه "الرجال"1 تارة و"رحال بن عنفوة" تارة أخرى، حينما تكلم عنه وعن نهايته. وذلك في أيام "أبي بكر" أي في حوادث السنة الحادية عشرة2. وأظن أن مرد هذا الاختلاف لا يعود إلى "الطبري" نفسه، بل إلى النساخ وإلى الطبع.
وقد أورد "الطبري" رواية أخرى في كيفية قدوم "مسيلمة بن حبيب" على رسول الله. فذكر "أن بني حنيفة أتت بمسيلمة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تستره بالثياب، ورسول الله جالس في أصحابه، ومعه عسيب من سعف النخل، في رأسه خوصات، فلما انتهى إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله: لو سألتني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتك! ". ولم يشر "الطبري" إلى أسماء من جاء معه من وفد "بني حنيفة" وقد ذكر بعد هذه الرواية الرواية السابقة التي ذكرتها، دون أن يشير إلى أسماء رجال الوفد3.
ثم قال بعد ذلك: "ثم انصرفوا عن رسول الله وجاءوا مسيلمة بما أعطاه رسول الله، فلما انتهى إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم، وقال: إني قد أشركت في الأمر معه، وقال لوفده: ألم يقل لكم رسول الله حيث ذكرتموني: أما أنه ليس بشركم مكانًا! ما ذلك إلا لما كان يعلم أني قد أشركت معه، ثم جعل يسجع السجعات، ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن: لقد أنعم الله على الحُبلي، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشي. ووضع عنهم الصلاة، وأحل لهم الخمر والزنا، ونحو ذلك"4.
ولا يتفق ما ذكره "الطبري" من وضع "مسيلمة" الصلاة عن أتباعه، مع ما أورده هو من اتخاذه مؤذنًا يؤذن بين الناس، ومن اتخاذه "مقيمًا" يقيم له الصلاة ثم مع ما ذكره غيره من أنه قلص الصلوات الخمسة فجعلها ثلاثة صلوات في اليوم5. ولا يوجد دليل على تحليله الزنا والخمر.
وذكر أن "مسيلمة"، بعد أن عاد إلى قومه كتب كتابًا إلى الرسول فيه:

1 الطبري "3/ 287".
2
الطبري "3/ 281–301"، "ذكر بقية خبر مسيلمة الكذاب وقومه من أهل اليمامة".
3
الطبري "3/ 137" زاد المعاد "3/ 31 وما بعدها".
4
الطبري "3/ 138"، زاد المعاد "3/ 31".
5 Shorter Ency, p. 416.
"من مسيلمة رسول الله على محمد رسول الله، أما بعد، فإني قد أُشرِكت معك في الأمر، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها، ولكن قريشًا قومًا يعتدون" فكتب إليه رسول الله: "بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، أما بعد، فالسلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإن الأرض لله يورثها من يشاء والعاقبة للمتقين" وقدم بكتاب مسيلمة رجلان فسألهما رسول الله عنه فصدقاه، فقال: أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما1.
وتذكر رواية أخرى أن مسيلمة قال للرسول يوم وفد عليه مع من وفد من رجال "حنيفة" "إن شئت خلينا لك الأمر وبايعناك على أنه لنا بعدك. فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا ولا نعمة عين ولكن الله قاتلك".
وتذكر رواية أخرى أن "هوذة بن علي الحنفي" صاحب اليمامة، قد كتب إلى النبي، أن يجعل له الأمر من بعده على أن يسلم ويصير إليه فينصره، فقال رسول الله: لا ولا كرامة الله اكفنيه، فمات بعد قليل2.
وروي أن رسول الله، بعث "حبيب بن زيد بن عاصم" أحد "بني النجار" و"عبد الله بن وهب الأسلمي" إلى مسيلمة، فلم يعرض لعبد الله، وقطع يدي حبيب ورجليه3.
وذكر أن رسولي مسيلمة اللذين حملا كتابه إلى الرسول، كانا "ابن الفواحة" و"ابن أثال"، وأنهما قالا لرسول الله: نشهد أن مسيلمة رسول الله. فقال الرسول: لو كنت قاتلًا رسولًا لقتلتكما. فعادا إلى صاحبهما4.
وذكر "الطبري" أن مسيلمة" "ضرب حرمًا باليمامة، فنهى عنه، وأخذ الناس به، فكان محرمًا، فوقع في ذلك الحرم قُرى الأحاليف، أفخاذ من بني أسيد، كانت دارهم باليمامة فصار مكان دارهم في الحرم". فصاروا يغيرون على ثمار أهل اليمامة، ويتخذون الحرم دغلًا، فإن نذروا بهم فدخلوه أحجموا عنهم، وإن لم ينذورا بهم فذلك ما يريدون. "فكثر ذلك منهم حتى استعدوا عليهم، فقال: أنتظر الذي يأتي من السماء فيكم وفيهم، ثم قال لهم:

1 امتاع الأسماع "1/ 508 وما بعدها" اليعقوبي"1/ 120".
2
البلاذري، فتوح "97" "اليمامة".
3
البلاذري، فتوح "102".
4
زاد المعاد "3/ 32".
والليل الأطحم، والذئب الأدلم، والجذع الأزلم، ما انتهكت أسيد من محرم فقالوا: أما محرم استحلال الحرم وفساد الأموال! ثم عادوا للغارة، وعادوا للعدوى. فقال: أنتظر الذي يأتيني، فقال: والليل الدامس، والذئب الهامس، ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس: فقالوا: أما النخل مرطبة فقد جدوها، وأما الجدران يابسة فقد هدموها، فقال اذهبوا وارجعوا فلا حق لكم"1.
وقد أورد أهل الأخبار كلامًا زعموا أن "مسيلمة" نظمه مضاهاة للقرآن. من ذلك قوله: "يا ضفدع نقي كما تنقين! نصفك في الماء ونصفك في الطين! لا الماء تكدرين، ولا الشارب تمنعين"2. "وكان فيما يقرأ لهم فيهم: إن بني تميم قوم طهر لقاح، لا مكروه عليهم ولا إتاوة، نجاورهم ما حيينا بإحسان، نمنعهم من كل إنسان، فإذا متنا فأمرهم إلى الرحمن"3. "وكان يقول: والشاة وألوانها، وأعجبها السود وألبانها، والشاة السوداء واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرم المذق، فما لكم لا تمجعون". "وكان يقول: يا ضفدع ابنة ضفدع، نقي ما تنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدرين". "وكان يقول: والمبذرات زرعًا، والحاصدات حصدًا، والذاريات قمحًا، والطاحنات طحنًا، والخابزات خبزًا، والثاردات ثردًا، واللاقمات لقمًا، إهالة وسمنًا، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريفكم فامنعوه، والمعتر فآووه، والباغي فناوئوه"4. وذكر بعض أهل الأخبار أن "أبا بكر" لما سأل وفدًا من "بني حنيفة" أرسله "خالد" إليه عما كان يقوله لهم: "قالوا: كان يقول يا ضفدع نقي نقي، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدرين، لنا نصف الأرض، ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشًا قوم يعتدون"5.
ويظهر من أسلوب هذه الآيات المنسوبة إلى "مسيلمة" أنها محاكاة ومضاهاة للآيات الأولى من القرآن الكريم، الآيات التي نزلت بمكة في عهد الرسالة الأولى.

1 الطبري "3/ 283".
2
الحيوان "5/ 530.
2
الطبري "3/ 283" وما بعدها".
4
الطبري "3/ 283 وما بعدها".
5
الطبري "3/ 300".
وهي بذلك تختلف عن أسلوب الوحي المنزل بعد الهجرة بالمدينة1. ولم نجد فيما بقي من كتب أهل الأخبار ما يشير بشيء إلى "قرآن مسيلمة" أو إلى بقية أخرى منه.
هذا ولا بد لي من التنبيه إلى أننا لا نستطيع التأكيد بأن ما نسب إلى مسيلمة من كلام هو حق وصحيح. فمن الجائز أن يكون قد وضع عليه وضعًا. وقد رأينا كيف أنهم اختلفوا في رواية "يا ضفدع" اختلافًا بينًا في ضبط العبارات وكان الناس يقصدون "مسيلمة" ليسمعوا منه، بعد أن اشتهر أمره. وقد تمكن من التأثير في بعضهم. وكان ممن قصده "المتشمس بن معاوية"، عم "الأحنف بن قيس" الشهير. فلما خرج من عنده قال عنه إنه كذاب2. وقال عنه "الأحنف" وقد رآه أيضًا، وقد سئل كيف هو؟ ما هو بنبي صادق، ولا بمتنبئ حاذق3.
وذكر أهل الأخبار أن مسيلمة كان صاحب "نيرجات" وتمويه واحتيال يدّعي المعجزات والآيات، وأنه أول من أدخل البيضة في القارورة، وأول من وصل جناح الطائر المقصوص، وكان يدعي أن ظبية تأتيه من الجبل فيحلب لبنها. وقد جربه قوم، فوجدوا آياته "منكوسة. تفل في بئر قوم سألوه ذلك تبركًا، فملح ماؤها. ومسح رأس صبي فقرع قرعًا فاحشًا، ودعا لرجل في ابنين له بالبركة، فرجع إلى منزله، فوجد أحدهما قد سقط في البئر والآخر قد أكله الذئب. ومسح على عيني رجل استشفى بمسحه فابيضت عيناه"4، ومسح وجه "أبا بصير"، وهو صبي من "بني يشكر بن وائل" وكانوا أتوا به "مسيلمة" فعمي، فكني "أبا بصير"، وكان يروى عنه5. وأتته امرأة من بني حنيفة، تكنى بأم الهيثم، "فقالت: إن نخلنا لسحق وإن آبارنا لجرز، فادع الله لمائنا ولنخلنا، كما دعا محمد لأهل هزمان"، فدعا بسجل، ودعا لهم فيه، ثم تمضمض بفمه منه، ثم مجه فيه، فانطلقوا به حتى فرغوه في تلك.

1 Shorter Ency, p. 416.
2
المعارف "424".
3
أمالي المرتضى "1/ 292".
4
الروض الأنف "2/ 340".
5
المعارف "454".
الآبار، ثم سقوه نخلهم، فغارت مياه تلك الآبار، وخوى نخلهم، وقد ذكر "الطبري" هذه الملاحظة: "وإنما استبان ذلك بعد مهلكه"1.
وروى الطبري"، أخبارًا أخرى من هذا النوع، ذكر أن "نهارًا" قال له: برك على مولودي بني حنيفة، فقال له: وما التبريك؟ قال: كان أهل الحجاز إذا ولد فيهم المولود أتوا به محمدًا فحنكه ومسح رأسه، فلم يؤت مسيلمة بصبي فحنكه ومسح راسه إلا قرع ولثغ. وذكر أن "نهارًا" قال له: توضأ واعطِ وضوءك إلى أصحاب الحيطان، أي البساتين كما يفعل محمد، فأعطى أحدهم وضوءه، فسقى به حائطه، فيبست أشجاره، وصارت الأرض يبابًا لا ينبت مرعاها. وأعطى "مسيلمة" رجلًا سجلًا من ماء، وكانت أرضه سبخة، فأفرغه في بئره فغرقت أرضه، فما جف ثراها، ولا أدرك ثمرها. وأتته امرأة فاستجلبته إلى نخل لها يدعو لها فيها فجزت كبائسها يوم عقرباء كلها2.
وقد عرف "مسيلمة" بين أتباعه بـ"رسول الله" وكانوا يتعصبون له، ويؤمنون به إيمانًا شديدًا. وذكر أن "طلحة النميري" جاء إلى اليمامة، فقال "أين مسيلمة"قالوا: إنه رسول الله! فقال: لا، حتى أراه، فلما جاءه قال: أنت مسيلمة؟ قال: نعم. قال: من يأتيك؟ قال: رحمن. قال: أفي نور أو في ظلمة؟ فقال: في ظلمة، فقال: أشهد أنك لكذاب وأن محمدًا صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر" أو "أنه قال كذاب ربيعة أحب إلي من كذاب مضر" فقتل معه "يوم عقرباء"3.
ويظهر من بعض ملاحظات "الطبري" عن هذه الأخبار، أنها إنما ظهرت وقيلت بعد هلاك "مسيلمة" فقد قال في موضع: "وكانوا قد علموا واستبان لهم، ولكن الشقاء غلب عليهم"4، وقال في موضع آخر: "وإنما استبان ذلك بعد مهلكه"، و"استبان ذلك بعد مهلكه"5. ولهذه الملاحظات أهمية كبيرة بالطبع في تقييم صدق هذه الروايات وصحتها، فالعادة أن من يفشل ويهلك لا سيما إذا كان قد نال حظًّا من المكانة والجاه والاسم، يحمل عليه كثيرًا، ولا يتورع حتى أصحابه ومن كان يؤمن به من الدس عليه.


1 الطبري "3/ 284 وما بعدها".
2
الطبري "3/ 285 وما بعدها".
3
الطبري "3/ 286".
4
الطبري "3/ 286".
5
الطبري "3/ 285".
واتخذ "مسيلمة" مؤذنًا يؤذن له في أتباعه اسمه "حجير". "وكان أول ما أمر أن يذكر مسيلمة في الأذان، توقف. فقال له محكم بن الطفيل: صرح حجير، فذهبت مثلًا". وكان "محكم بن طفيل الحنفي" صاحب حربه ومدبر أمره، وكان أشرف منه في حنيفة"1. وذكر "الطبري" أن الذي كان يؤذن له "عبد الله بن النواحة"، وكان الذي يقيم له حُجير بن عمير، ويشهد له. وكان مسيلمة إذا دنا حجير من الشهادة، قال صرح حجير، فيزيد في صوته ويبالغ لتصديق نفسه2. وذكر أن مؤذنه "حجير"، كان إذا أذن يقول أشهد أن مسيلمة يزعم أنه رسول الله، فيقول مسيلمة له: أفصح حجير، فذهبت مثلًا3.
ورووا أنه تزوج "سجاح" التي تنبأت، وهي تميمة من" بني يربوع"، وكان يقال لها "صادر" وكان لها مؤذن، يقال له "زهير بن عمرو"، من "بني سليط بن يربوع"، ويقال إن "شبث بن ربعي" أذَّن لها4.
وذكروا أنها كانت كاهنة زمانها، تزعم أن رئيها ورئى سطيح واحد، ثم جعلت ذلك الرئي ملكًا حتى ادعت النبوة، فاختلفت مع "مسيلمة" وكذبته وجحدت نبوته، فلما اتصلت به وتزوجته، وهبت نفسها له. فقال لها فيما زعموا:
ألا قومي إلى المخدع ... فقد هيى لك المضجع
فإن شئت سلقناك ... وإن شئت على أربع
وإن شئت بثلثيه ... وإن شئت به أجمع
فقالت بل به أجمع. فجرى المثل بلغمتها حتى قيل أغلم من سجاح5.

1 الروض الأنف "2/ 340 وما بعدها".
2
الطبري "3/ 283".
3
البلاذري، فتوح "100".
4
المعارف "405".
5
ثمار القلوب "315" وما بعدها".
وفيها قال قيس بن عاصم، وقيل عطارد بن حاجب بن زرارة:
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء الله ذكرانا
يا لعنة الله والأقوام كلهم ... على سجاح ومن بالإفك أغرانا
أعني مسيلمة الكذاب لا سقيت ... أصداؤه ماء مزن حيثما كانا1
ولما قتل "مسيلمة" رثاه بعض شعراء بني حنيفة بقوله:
لهفي عليك أبا ثمامة ... لهفي على ركني تهامة
كم آية لك فيهم كالشمس تطلع من غمامة2 ... قتله "وحشي" قاتل حمزة3
وذكر أهل الأخبار أن "مسيلمة" كان قد تزوج "كبشة بنت الحارث بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس"4 كيسة بنت الحارث بن كريز بن حبيب بن عبد شمس"5، ثم تركها فخلف عليها" "عبد الله بن عامر بن كريز"، فولدت له. ويظهر أنها لم تلد من "مسيلمة".
والذي يقرأ ما ذكره "الطبري" عن "مسيلمة" وعن صلة "نهار" به، يخرج بصورة تظهره شخصًا جاهلًا بليدًا، يحركه ويوجهه "نهار" حيث يريد، لا يفهم ولا يعقل، ولا يعرف كيف يتصرف، ولا يتخذ رأيًا حتى يشير عليه "نهار" به "فكان نهار الرجال بن عنفوة لا يقول شيئًا إلا تابعه عليه"6.
وهي صورة تخالف ما نقرؤه عنه في الموارد الأخرى. ولو كان "مسيلمة" على نحو ما صوره الطبري، لما التفت حوله "بنو حنيفة" ولما استماتوا في الدفاع عنه. ولما ضحى "الرحال بن عنفوة" و"محكم بن الطفيل" وغيرهما بأنفسهم في الدفاع عنه. حتى إن منهم من بقي مؤمنًا به حتى بعد مقتله، وتغلب المسلمين على اليمامة.


1 ثمار القلوب "315"، المعارف "405".
2
المعارف "405" "كم آية لأبيهم" الحيوان 4/ 378".
3
رسائل الجاحظ "1/ 180" الطبري "3 / 294 وما بعدها"
4
كتاب نسب قريش "20".
5
الروض الأنف "2/ 198، 341"، "كيسة بنت الحارث بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس"، المحبر "440" امتاع الأسماع "247" كتاب نسب قريش "147".
6
الطبري "3/ 283".
وقد كتب الجاحظ قصة مسيلمة وقصة "ابن النواحة" ولعله قصد به "عبد الله بن النواحة" مؤذنه، في كتابه المفقود حتى اليوم "فصل ما بين النبي والمتنبي" حيث ذكر جميع المتنبين1. وذكر "البلاذري" أن "مسيلمة"، كان قد أرسل كتابه الذي كان وجهه إلى الرسول والذي فيه "من مسيلمة رسول الله، إلى محمد رسول الله، أما بعد: فإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها، ولكن قريشًا لا ينصفون، والسلام عليك. وكتب "عمرو بن الجارود الحنفي"، مع "عبادة بن الحارث" أحد بني عامر بن حنيفة، وهو "ابن النواحة" الذي قتله عبد الله بن مسعود بالكوفة2.
وكان "مسيلمة" قد أمر "عمرو بن الجارود الحنفي" بتدوين كتابه الذي وجهه إلى الرسول، فأمر الرسول كاتبه "أبي بن كعب" بالرد عليه. ومعنى هذا أن مسيلمة كان قد اتخذ له كتبه يكتبون له رسائله، على نحو ما كان لرسول الله.
وأنا لا أستبعد احتمال علم "مسيلمة" بالكتابة والقراءة. وإن لم ينص أهل الأخبار على ذلك. كما لا أستبعد احتمال التقائه باليهود وبالنصارى وأخذه منهم، فقد كان في اليمامة قوم من أهل الكتاب، ودعوته إلى عبادة إله هو "الرحمن"، تدل على تأثره بأتباع هذه الديانة وبأهل الكتاب.
هذا ولم أجد في الأخبار المتعلقة بمسيلمة خبرًا يفيد صراحة أن مسيلمة كان قد اعتنق الإسلام ودخل فيه. فالأخبار التي تتحدث عن مجيئه إلى يثرب لا تشير إلى ذلك، والأخبار الأخرى التي تتحدث عنه وهو في اليمامة لا تشير على قبوله الإسلام كذلك، بل نجد فيها كلها أنه ظل يرى نفسه نبيًّا مرسلًا من "الرحمن" وصاحب رسالة، لذلك فليس من الصواب أن نقول: "ردة مسيلمة"، أو "ارتداد مسيلمة"، أو نحو ذلك؛ لأنه لم يعتنق الإسلام ثم ارتد عنه، حتى ننعته بالمرتد.

1 الحيوان "4/ 378".
2
البلاذري، فتوح "97".
وكان "مجاعة بن مرارة" الذي نزل عليه مسيلمة" من رؤساء "بني حنيفة" وممن وفد على الرسول، فأعطاه النبي أرضًا باليمامة يقال لها "الغورة" وكتب له بذلك كتابًا. وذكر بعض أهل الأخبار أنه كان بليغًا حكيمًا وقد أسر "يوم اليمامة" فتوسط له بعض وجوه "بني حنيفة" لدى خالد أن يبقيه، فأرسله إلى "أبي بكر" فصفح عنه. وقد كان قد انجرف مع من انجرف فمال إلى "مسيلمة" وأيده، وحارب معه. وله شعر أشار فيه إلى مسيلمة1، ونعته فيه بـ"الكذاب". ولما وفد على "أبي بكر" أقطعه "الخضرمة"، ثم قدم على عمر، فأقطعه الرياء، ثم قدم على عثمان، فأقطعه قطيعة أخرى2.
وأما "الرحال بن عنفوة" "رحال بن عنفوة" فهو "نهار الرجال بن عنفوة" الرجال بن عنفوة" في تأريخ الطبري3. وهو من وجوه "بني حنيفة" واسمه "نهار"، وكان في الوفد الذي جاء إلى الرسول، وقد اختلف إلى "أبي بن كعب" ليتعلم منه القرآن. وكان رئيس وفد "حنيفة" "سلمى بن حنظلة"4 وقد تعلم سورة البقرة وسورًا من القرآن5. وذكر أنه كان على غاية من الخشوع واللزوم لقراءة القرآن والخير، ثم انقلب على عقبيه وصار من أشد أعوان مسيلمة المقربين له، فشهد له أن الرسول أشركه معه في الأمر. وكان أحد وفد "بني حنيفة" إلى رسول الله، وفيهم "فرات بن حيان"6.
وأما "محكم بن طفيل بن سبيع" الحنفي، فقد كان من أشراف وسادات

1 قال مجاعة:
أترى خالدا يقتلنا اليو ... م بذنب الأصيفر الكذاب
لم ندع ملة النبي ولا نحـ ... ـن رجعنا فيها على الأعقاب
"
الأصغر" الإصابة "3/ 342" "رقم 7724" الحيوان "4/ 371" "حاشية" المرزباني، معجم "472" الجاحظ، البيان "3/ 263" "مجاعة بن مرارة بن سلمى بن زيد بن عبد بن ثعلبة بن يربوع بن الدول بن حنيفة"، كتاب الطبقات، لخليفة بن خياط "66، 289".
2
البلاذري، فتوح "103".
3
طبعة "دار المعارف" بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.
4
ابن سعد، طبقات "1/ 316"، "وفد حنيفة" الروض الأنف "2/ 340".
5
البلاذري، فتوح "97".
6
الإصابة "10/ 521"، "رقم 2761".

"بني حنيفة". وهو أشرف من مسيلمة في حنيفة1. وكان من المقدمين عند مسيلمة. وقد عهد "مسيلمة" إليه قيادة إحدى المجنبتين في قتاله مع "خالد بن الوليد". وقد عرف بـ"محكم اليمامة" وقد قتل وهو يحارب المسلمين2. "قتله خالد بن الوليد يوم مسيلمة"3.
وأما فرات بن حيان بن ثعلبة بن عبد العزى بن حبيب" العجلي، فكان عينًا لأبي سفيان في حروبه، وكان ممن هجا الرسول، ثم أسلم ومدحه، وأقطعه الرسول أرضًا باليمامة، ثم سكن الكوفة وأقام بها. وكان في حرب الخندق عينًا للمشركين4.
وأما أثال بن النعمان الحنفي، فكان مع "فرات بن حيان" حين قدم المدينة وقد كلم الرسول. وذكر في رواية أنه كان مع ثمامة بن أثال في قتال مسيلمة في الردة5.
وكان "ثمامة بن أثال بن النعمان بن سلمة الحنفي"، من قدماء من أسلم من أهل اليمامة. فقد أرسل رسول الله خيلًا قبل نجد، فجاءت به، فربطوه بسارية من سواري المسجد بيثرب، فكلمه الرسول، ثم أمر فأطرق من رباطه، فدخل في الإسلام، وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت! قال: لا والله ولكن أسلمت مع محمد رسول الله ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة، حتى يأذن فيها النبي. ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئًا. فكتبوا إلى النبي: إنك تأمر بصلة الرحم، فكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين الحمل إليهم6. وكانت ميرة قريش من اليمامة ومنافعهم منها، وكانت ريف مكة. ولما ارتد أهل اليمامة، وصاروا مع مسيلمة، ثبت أثال على الإسلام فكان مقيمًا باليمامة ينهاهم عن اتباع مسيلمة وتصديقه، فلما عصوه وأصفقوا على اتباع مسيلمة، عزم على مفارقتهم، ففارقهم ولحق بالعلاء بن الحضرمي في مقاتلة المرتدين من أهل البحرين،

1 الروض الأنف "2/ 341".
2
الطبري "3/ 290"، الاشتقاق "210" تاج العروس "8/ 254"، "حكم".
3
اللسان "12/ 142" "حكم" تاج العروس "8/ 254"، "حكم".
4
الإصابة "3/ 195" "رقم 6966".
5
الإصابة "1/ 33"، "رقم 35".
6
إرشاد الساري "6/ 432 وما بعدها".
فلما ظفروا اشترى ثمامة حلة كانت لكبيرهم: "الحطم" فرآها عليه ناس من "بني قيس بن ثعلبة" فظنوا أنه هو الذي قتله وسلبه فقتلوه. وقد رووا له شعرًا في الرسول وفي الردة1. وكان له عم اسمه" عامر بن سلمة بن عبيد بن ثعلبة الحنفي" وقد كان مسلمًا2.
وجاء في رواية أن رسول الله لما بعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي في رجب سنة تسع، فأسلم المنذر ورجع العلاء، فمر باليمامة، قال له ثمامة بن أثال: أنت رسول محمد؟ قال: نعم. قال: لا تصل إليه أبدًا، فقال له عمه: عامر بن سلمة بن عبيد بن ثعلبة الحنفي: ما لك وللرجل، فأسلم عامر، ووقع ثمامة بعد ذلك في الأسر3.
وكان "معمر بن كلاب الرماني"، جارًا لثمامة بن أثال، وهو ممن وعظ مسيلمة وبني حنيفة ونهاهم عن الردة، فلما عصوه تحول إلى المدينة فمنعه ثمامة حتى رده وشهد قتال اليمامة مع خالد4.
و"الحطم" المذكور، هو "الحطم بن هند" البكري، أحد "بني قيس بن ثعلبة"، قدم المدينة في رواية في عير له يحمل طعامًا فباعه، ثم دخل على النبي، فبايعه وأسلم، فلما قدم اليمامة، ارتد عن الاسلام، وخرج في عبر له تحمل الطعام في ذي القعدة يريد مكة، وكان عظيم التجارة، وأراد المسلمون أن يتلقوه ويأخذوا ما معه، فمنعهم الرسول من ذلك لحرمة الشهر. وذكر أنه بعد أن قابل الرسول، وسمع منه مبادئ الإسلام. قال الحطم: في أمرك هذا غلظة، أرجع إلى قومي، فأذكر لهم ما ذكرت، فإن قبلوه أقبلت معهم، وإن أدبروا أدبرت معهم. قال له: ارجع. فلما رجع مر بسرح من سرح المدينة، فساقه فانطلق به5.
وذكر أن "الحطم" قتل في الجيار، من نواحي البحرين لما ارتدت بكر بن وائل6.

1 الإصابة "1/ 204"، "رقم 961"، الاستيعاب "1/ 205 وما بعدها"، "حاشية على الإصابة" تاج العروس "7/ 203"، "أثل".
2
الإصابة "2/ 241"، "رقم 4390".
3
الإصابة "2/ 241" "رقم 4390".
4
الإصابة "3/ 475"، "8452".
5
تفسير الطبري" 6/ 38".
6
تاج العروس "3/ 116"، "جير".
هذا هو كل ما ورد إلى علمنا عن الأنبياء العرب في الجاهلية. وقد حصلنا عليه من المؤلفات الإسلامية. أما نصوص جاهلية، فيها شيء عن النبوة والأنبياء، فلم يصل إلينا منها أي شيء.
يقول "أبو العلاء المعري" عن ادعاء بعض الناس بالأمامة والنبوة في الإسلام: "ولم تكن العرب في الجاهلية تقدم على هذه العظائم، والأمور غير النظائم، بل كانت عقولهم تجنح إلى رأي الحكماء، وما سلف من كتب القدماء. إذ كان أكثر الفلاسفة لا يقولون بنبي، وينظرون إلى من زعم ذلك بعين الغبي"1. فهو ينكر وجود نبوة وأنبياء عند الجاهليين للسبب المذكور. وهو يقصد ولا شك بها، النبوة على وفق المعنى المفهوم منها في الإسلام. أي أن تكون بوحي ينزل على النبي من الإسلام، وبكلام منزل يتلوه على الناس، يكون كلام الله لا كلام النبي.

1 رسالة الغفران "440"، "بنت الشاطئ".
الفصل الرابع والستون: الله ومصير الإنسان
مدخل